حوجَن الحلقة الثالثة وأخيراً عرفتيني يا سوسن! HAWJAN3
لم أتمالك نفسي..
فسافرت على الفور إلى الهندبة (إحدى قرانا في شمال البحر الأحمر) لأسأل صديقي
غرمان عمّا حصل في تلك الليلة.. غرمان حكيم جاوز عمره الخمسماءة عام.. وله معكم يا
معشر الإنس عشرة طويلة وخبرة بحكم تنقله بين الكثير من بلدانكم وتعايشه معكم..
- هذي لعبة الأويجي! معقول عمرك
ما سمعت عنها؟ نطقها غرمان عندما حكيت له ما حدث ليلة الأمس بالتفصيل..
- أنا: أويجي؟؟! لا
والله ما سمعت عنها!.. لعبة؟! معقول؟ دول كانوا مرعوبين وأنا كنت مرعوب أكثر
منهم!!
- ضحك غرمان وقال: هذي لعبة قديمة
بيننا وبينهم.. ياما لعبناها
- أنا: معقول سوسن
وصاحباتها يعرفوا يحضرونا؟؟!
- غرمان: يحضرونا؟! ياخي
ليش تكبر الموضوع المسألة أبسط من كذا بكثير.. في الأويجي إحنا ما نحتك بيهم بشكل
مباشر.. اللي بيحصل إنه قرناءهم بيشوفوا حركة أيادينا على المضرب فيحسسوهم بهذي
الحركة.. وبالتالي يحركوا المضرب مع حركتنا.. القرناء هم الوسطاء بيننا وبينهم.
- أنا: يعني شنوش كان
مفهمهم إنه جنية وبيتلبس صاحبتهم..
- غرمان: أكيد.. فيه
كثير هوايتهم التسلية مع الإنس.. وتلاقيه كل مرة يألف لهم حكاية جديدة.. وهم
يصدقوه.
عدت من الهندبة وفي
خاطري هاجس وحيد لم أستطع مقاومته.. معقول أستطيع أن أتواصل مع سوسن!! بدأت تلك
الفكرة تسيطر على بالي.. وكلما نفضتها تعاودني وتتملك وجداني بشكل أكبر.. بالذات
عندما أراقب سوسن قبل أن أخلد للنوم كل صباح وهي تسقي أزهارها وتغني لها وتكلمها..
ليتني زهرة على نافذتك يا سوسن.. أحيا على عذب مائك وأغانيك وهمساتك..
- حوجن؟ اش فيك
مسرح؟ بتر صوت أمي من خلفي سيل خيالاتي.. فأجبتها مرتبكاً
- أمي؟ مافي شي
عادي..
- أمي: حالك مو عاجبني يا حوجن، من يوم ما سكنوا الإنس بيتنا وإنت كل يوم تسهر لحد
الليل.. قاعد تحوم حولين بنتهم.. مايصير
- أنا: يا أمي إنتي عارفه إنه هذا بيتنا قبل حتى ما يولدوا ومو سهل أبعد عنه بعد
فجأه بعد كل هذي السنين..
- أمي: حوجن.. أنا أمك.. لا تقعد تلف وتدور.. ما يصير نكشف على عوراتهم في بيتهم..
أصحك يا حوجن تقرب منهم.. أصحك! برضايه عليك يا حوجن.. أبعد عنهم..
- أنا: بضحكة مصطنعه: اش تقولي يا أمي.. من جدك؟ طبعاً مستحيل أقرب منهم.. إحنا
ناقصين مشاكل الإنس فوق مشاكلنا؟!
لم
يهدئ كلامي سوى القليل من قلق أمي وهمومها.. ولكن كلامها أشعل كل قلقي وهمومي..
معقول؟ هل تعلقت بإنسية؟ لا لا مستحيل.. أنا الذي عرفت مئات الجنيات ذوات الحسب
والأدب والجمال ولم تحرك أياً منهن ذرة من مشاعري.. أجلس تحت شرفة هذه الإنسية
وأتأوه على غنائها لأزهارها؟؟!!
معقول؟
بعد أن كنت أشفق على عشاق الإنس الذين ملأوا مجالس الرقاة والمصحات ليتعالجوا من
تعلقهم بالإنس.. أصبح أنا واحداً منهم؟! تذكرت عبارة خالتي عندما قلت لها: هل عشقك لذلك
الإنسي يستحق أن تدمري حياتك وحياته؟! قالت لي: ياحوجن الحب
ما يفرق بين الإنس والجن..
حب؟
معقول أكون وقعت في حب إنسية؟ معقول أحبك يا سوسن؟
في
عرفكم حب من هذا النوع يعتبر ضرباً من الخزعبلات.. حتى لو تجاوزنا الاختلاف الجذري
في التكوين، مع استحالة التواصل، مع فرق السن الذي قد يشكل مشكلة بالنسبة لكم يا
بشر (بالنسبة لنا هذا الفرق طبيعي.. فوالدي أكبر من والدتي باثنين وثمانين عاماً!)..
لكني أعود وأكرر مقولة خالتي.. الحب فوق كل الفروقات!!
أقنعت نفسي، أو
بالأصح أوهمتها أن القليل من الاهتمام والفضول والإعجاب لا تضر.. وفي نهاية المطاف
كل واحد منا في حاله.. في عالمه المخفي عن الآخر.. يكفي أن أراقبك يا سوسن من
بعيد.. أستمع وأستمتع بغنائك لأزهارك.
آه.. ولكن ما يمزق
خاطري هو أنها لا تشعر بي، لا تدرك أني موجود أصلاً! انقطع حبل خواطري وأنا جالس
في غرفة سوسن الخالية بين سريرها ومكتبها عندما انفتح بابها بشدة، ودخلت سوسن
وأغلقت الباب خلفها بتوتر.. وأسرعت تفتح كمبيوترها وتضع فيه اسطوانة أخرجتها من
حقيبتها. انتقل توتر سوسن وقلقها إلي وأرغمني فضولي مرة أخرى على أن أقف خلف
كرسيها وأراقب شاشة اللابتوب.. ظهرت صور سوداء على الشاشة استطعت أن أميز فيها
مقاطع لدماغ بشري، وذلك بحكم دراستي حيث أننا نتطرق إلى دراسة التشريح البشري في تعليمنا.
قلبت سوسن الصور المقطعية للدماغ وظهرت تلك البقعة التي لا تعني سوى أن صاحب ذلك
الدماغ مصاب بورم مميت. التفت إلى سوسن عندما سمعت صوت بكائها الصامت.. وكأنها
تخشى أن يشاركها أحد كل ذلك الحزن. رأيت نهر دموعها يسيل على وجنيتها.. ويهطل على
الكمبيوتر وعيناها محدقتين في تلك الصورة على الشاشة. مددت يدي إليها، أعلم أنها
لن تلمسها، مررت أناملي على وجنتيها، حاولت محاولة متأكد مسبقاً من فشلها أن أمسح
تلك الدموع.. رأيت يدها تعبر خلال يدي وهي تمسح دموعها.. انتفضت سوسن ونظرت خلفها
وانتفضت أنا مع أني أعلم أنها لم تشعر بي.. ورأيتها تطبق جهازها بعنف وتمسح ما
تبقى من دموعها بسرعه وتركض نحو باب الغرفة تفتحه فقد أحست بقدوم والدتها.. خرجت
أنا بسرعة والتفت خلفي لأرى سوسن وهي تطفو من أعماق حزنها إلى قمة المرح وهي تحادث
والدتها.
هل يعقل أن يكون
الدكتور عبدالرحيم مصاب بالسرطان؟ لقد لاحظت حديثه المتكرر عن تقدم السن والآلام
التي يعاني منها.. كنت أظن أن كل تلك أعراض طبيعية لشخص عاش نضالاً مريراً لسنوات
عديدة فقط كي يؤمن منزلاً لأسرته، ويرى أبناءه يكبرون أمامه ويستعدون لخوض معترك
الحياة.. كل من يصل إلى تلك المرحلة تبدأ لديه هواجس الكِبَر.. ولكن لم أتوقع أن
يكون الأمر بتلك الخطورة! كل تقديري واحترامي لك يا أيها الدكتور المناضل في زمن
استأسد فيه السفلة والمتملقون.
لا أخفيكم أنني
أصبحت أتحين الفرص لأتواجد بقرب سوسن، ولكني عاهدت نفسي أن أتحاشى الوجود معها وهي
بمفردها احتراماً لخصوصيتها.. وكنت أخون ذلك العهد أحياناً عندما أعجز عن مقاومة
مراقبتها من بعيد وهي تمارس عادتها اليومية بتدليل أزهارها فجر كل يوم.
وكانت تلك الليلة
عندما خرجت سوسن بصحبة زميلاتها أريج وخلود إلى كوفي شوب على الكورنيش، وكالعادة
تغلب علي فضولي فتبعتهم إلى هناك.. ترددت وأنا أنساب خلف سيارة خلود وكدت أن أعود
أدراجي عندما تذكرت كلام أمي.. ولكنني استمريت في ملاحقتهم.. وعندما توقفت السيارة
عند إشارة المرور اقتربت من نافذة السيارة الخلفية حيث تجلس سوسن وصديقاتها
واختلست السمع والنظر إليهن وهن يتبادلن الأحاديث والضحكات عن المواضيع ذاتها:
الأولاد ومغامراتهم.. وفجأة شهقت خلود التي كانت تجلس ناحية النافذة التي أنظر
منها والتفتت نحوي مباشرة التفاتة أفزعتني لدرجة أنني انسحبت بسرعه.. سألتها سوسن:
- خلود؟ بسم
الله عليكي اش فيه؟
- خلود: حسيت إنه فيه أحد يطالع علينا من الشباك!
- أريج: أقول ريحينا يا خلود.. تري محنا ناقصين خزعبلاتك!!
- سوسن: خلود تري من جد إنت بتتأثري بالأفلام اللي تشوفيها والمواقع
اللي منتي راضيه تسيبيها!
- خلود: والله ما أمزح معاكم.. من جد حسيت إنه فيه خيال واحد يطالع
فينا واختفى فجأة!
- أريج: بالله عليكي لا ترعبيني.. يكفي اللي حصل لرهف ذاك اليوم..
انتهى ذلك الحوار..
ولكن قلقي لم ينته، سمعت من قبل أن بعضكم يشعر بوجودنا، وقد يرانا.. يحكي لي بعض أصدقائي
أن أبناءهم يلعبون مع بعض أبناء الإنس، والبعض كان يحلف لي أن هناك أناس يرونه..
على العموم الحجاب الذي بيننا لغز لا نعرف منه إلا الشئ اليسير.
نعود لسوسن
وصديقاتها، تبعتهن إلى داخل الكوفي شوب المزدحم، وبدأت أشعر بالتوتر وأنا محاط
بهذا الكم من البشر وأصبحت متوجساً من كل شخص ينظر نحوي بعد أن أرعبتني خلود عندما
لمحتني من السيارة. لحسن حظي جلس البنات على طاولة بأربع مقاعد، فجلست أنا على
المقعد الخالي إلا من حقائبهن. وانشغلت بمراقبة سوسن التي كانت تختلف عنهن، فهي لا
تشاركهن ذلك التفكير السطحي وإن كانت تجاملهن بابتساماتها وإيماءاتها وفي عينيها
حزن لم يلاحظه أحد غيري. لم تهمني مواضيعهن إلى أن عادت خلود وفتحت سيرتنا.. أقصد
سيرة الجن، أعلم أن قصص الجن تحمل لكم الكثير من الإثارة والمتعة والخوف أيضاً،
حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من جلساتكم وكما ذكرت لكم في بداية سطوري فقد سئمت من
المبالغات الأسطورية الخزعبلاتيه التي تضفونها إلى واقعنا! فكل من يلمح ثوباً على
حبل الغسيل يدعي أنه رأى شيخاً طائراً بلحية بيضاء يشع النور من عينيه. لكنني
بالرغم من ذلك لمست الصدق في كلام خلود وهي تحكي قصصها والمواقف التي حصلت لها
شخصياً، فقد كانت جميعها منطقية بالنسبة لي على الأقل. ومع اندماج سوسن وأريج مع
قصص خلود فاجأتهم قائلة:
- اش رأيكم نلعب
أويجي؟!
- سوسن: من جدك؟ إنتي جبتيها معاكي؟
- أريج: أقول يا خلود روقينا الله يخليكي أنا ملكتي بعد شهر وماني
ناقصه أقابل ولد الناس وأنا ملموسة!!
- خلود (متجاهلة كلام أريج): مو لازم أجيب البورد معايه.. الجن موجودين في كل
مكان ونقدر ندردش معاهم وقت ما نحب..
قالتها وأزاحت
أكواب القهوة لتنتشل الورقة التي يفترض أن تكون وضعت غطاء للطاولة.. قلبتها على
الجهة البيضاء ونادت:
- Excuse me please
هرع إليها الجرسون
وتعجب عندما طلبت منه قلماً فناولها قلمه.. وبدأت تخط الحروف والأرقام على تلك
الورقة.. كنت متأكداً أن لوحة الأويجي بذاتها لا تحمل أي تعاويذ، وأن فكرتها قد
تنطبق بأي أسلوب.
انتهت خبيرة الجن
خلود من تجهيز لوحة الأويجي البدائية، وجالت بعينها تبحث عن شئ ما، وابتسمت وهي
تتناول قارورة الماء البلاستيكية من أمام أريج
- عن إذنك..
حاستلف غطا القارورة..
- أريج: ايه تبغي تدنبشيني؟ وبعدين عمرك شفتي أويجي عربية؟ والله
تطورنا..
- خلود (متجاهلة تعليق أريج مرة أخرى) يللا يا بنات.. حطوا أصابيعكم..
انتصر الفضول
كعادته ووضعت كل منهن سبابتها على الغطاء المقلوب على الورقة.. وقادت خلود الجولة
كعادتها وهي تقول:
- فيه أحد؟ فيه
أحد؟
أعتقد أن فضولي
تقهقر هذه المرة أمام رعبي منكم، واحترامي لوعد والدتي..
- فيه أحد؟ فيه
أحد؟
كررتها خلود..
وشاركتها أريج هذه المرة..
- شكلهم الجن
مقاطعين ستاربكس!!
قالتها سوسن فضحكت
أريج وضحكت أنا معها.. ولكن خلود استمرت:
- فيه أحد؟ فيه
أحد؟
هذه فرصه قد لا
تتكرر.. أستطيع أن أتحدث إلى سوسن.. أن أخبرها من أكون، أن أخبرها أن عينيها أذابت
الجن! وغناءها أسكرهم!!
- على قولك شكله
فعلاً مافش جن هنا غيرنا
قالتها خلود بعد أن
يأست.. فبادرتها أريج بعد أن رفعت إصبعها:
- يا شيخة إنتي
من جدك مصدقة هذي الخزعبلات؟؟ كله شيزوفرينيا يا ماما.. الجن مو فاضين لنا! هاتي
غطا القارورة بس، شكله اتدنبش.. يبغالي أشرب خطيبي من هذي القارورة عشان يطيح فيّه
أكتر.. ويشوف البنات الباقين كلهم شبه محمد هنيدي..
مددت يدي لا
شعورياً إلى يد سوسن.. كمن يتلقف الفازة الكريستالية الثمينة قبل أن تسقط.. ولكنني
لم ألحقها.. رفعت أناملها قبل أن أصلها. فبقيت يدي ويد خلود.. حاولت جاهداً أن
أحرك ذلك الغطاء تجاه كلمة (نعم).. حاولت وحاولت ولكن الغطاء لم يتزحزح..
- يابنات لازم
نقول مع السلامة إحتياط.. يمكن فيه جني كدا وللا كدا؟ من جد ما بامزح..
تجاهلتها أريج التي
انشغلت بالرد على اتصال خطيبها بدلال، ومدت سوسن يدها.. فخفق قلبي (نعم عندي قلب)
بعنف وعدت أحرك الغطاء بأناملي المرتعشة.. فتحرك.. تحرك الغطاء متثاقلاً تجاه كلمة
(مع السلامة).. فاندهشت خلود وسألت على الفور:
- فيه أحد؟؟!
حركت الغطاء تجاه
كلمة (نعم) فترنح قليلاً على الورقة بين الحروف إلى أن شق طريقه نحوها..
ابتسمت خلود واتسعت
عينا سوسن وفغرت أريج:
- أقول لؤي
أكلمك بعدين باي..
وألقت موبايلها..
وهي تقول:
- بتمزحوا!!
بلاش المزح الرزيل دا!
أجابتها خلود:
- حطي صباعك
معانا بسرعة..
وضعت أريج إصبعها
على الغطاء، فأحسست أن حركته أصبحت سلسة.. وبدأ يطفو على سطح الورقة فوق كلمة
نعم..
أعزائي.. أنا الآن
أتكلم مع سوسن..لأول مره في حياتي.. ياترى ماذا أقول لها؟؟ أقول لها أنني جني؟
أكبر سناً من جدها الذي توفى قبل خمسة عشر عاماً؟ وأسكن مع أهلي في بيتها؟؟!! ياله
من موقف.. ليتني لم أضع إصبعي.. لولا أني أخشى أن أصيبهم بالهلع كما حصل المرة
السابقة لعدم إنهاء اللعبة لرفعت إصبعي على الفور.. سوسن ماذا أقول لك؟ ما الذي
يمكن أن يثير إعجابك بي؟ لم تمهلني خلود الوقت لترتيب أفكاري:
- ذكر وللا
أنثى؟
حركت إصبعي فانساب
الغطاء على اللوحة:
- ذ ك ر
- اش اسمك؟
هل أخبرك باسمي يا
سوسن؟ ستستغربين.. وقد تضحكين.. هل أستعير اسماً بشرياً؟.. لا يا سوسن.. لن أخبرك
سوى الحقيقة!!
- ح و ج ن
- حوجن؟
نطقتها أريج بضم
الحاء.. فأصبح فعلاً مضحك! فتحركت بسرعة نحو كلمة (لا) وعدت أرتب الحروف:
- ح و ج ن
قالت أريج:
- ما قلنالك
حُوجن يا أخي..
قالت سوسن:
- يمكن حَوجن مو
حُوجن.. زي اسمي
أصبت بالذهول..
يالغبائي.. لأول مرة أكتشف أن اسمي قريب لهذه الدرجه من اسمها.. لقد سمعت اسمي
منها وكأنما أسمعه لأول مرة في حياتي.. وكأني ولدت للتو وأطلقت هي علي هذا الاسم..
لقد عشقت اسمي.. نطقته سوسن! خرج من بين شفتيها..
أخرجني سؤالهن
المشترك من احتفالي الذهني البسيط..
- اسمك حَوجن؟؟
فقت من ذهولي
وتحركت على الفور تجاه كلمة (نعم) وحمت بالغطاء فوقها ثم عدت مرة أخرى على الحروف:
- ح و ج ن س و س ن
ح و ج ن س و س ن
- الأخ طاح
عندك.. جنية من يومك يا سوسن!
قالتها أريج فأشارت
إليها خلود بالصمت.. وعادت تستجوبني:
- كم عمرك يا
حوجن؟
أخ! هذا السؤال
الذي لم أكن أتمناه أبداً.. ماذا أقول الآن.. قلت لهن العبارة التي افتتحت بها
حديثي معكم:
- ش ا ب
-
90
ضحكت أريج وهي
تقول:
- هاهاهاي..
لوحة سيارة هذي وللا ايش.. والـله هذا الجني فلّه!!
- خلود: مسختيها يا أريج.. هذا المزح ما ينفع
- أريج: ما عليكي.. عندنا واسطة.. القيرل فرند حقه سوسن..
على قدر ما ضايقتني
مزحتها الأولى.. على قدر ما دغدغت مشاعري مزحتها الثانية..
- خلود: عمرك تسعين سنة يا حوجن؟
حركت الغطاء بخجل
نحو (نعم) وقبل أن أصل مرة أخرى.. نطقت سوسن أخيراً:
- متزوج؟
- أريج: أكيد يا بنتي متزوج وعنده خمسين ابن وميتين حفيد.. بيقول لك
عمره تسعين سنه!!
قاطعت أنا أريج هذه
المرة عندما حركت الغطاء نحو (لا) وقلبي يكاد يقفز من الفرح.. فسؤال سوسن يدل على
أنها اقتنعت بأني شاب.. أو هذا ما أحاول إقناع نفسي به! فعادت وسألتني بكل رقة:
- ليش يا حوجن؟
ولثاني مرة أشعر أني
أسمع اسمي لأول مرة.. ولكن بم أجيب؟ أنقذتني أريج التي لا تكف عن المزح:
- ليه؟ ما عندكم
بنات جنيات حلوين زينا؟
فأسرعت إلى (لا)
ودرت عليها مراراً.. فضحكن وعقبت أريج كعادتها:
- ألحقي يا سوسن
البوي فريند حقك غزلنجي من أولها!! اسأليه يا خلود كيف شكله؟ فين ساكن؟
أنقذت سوسن الموقف
عندما أطلقت إحدى ضحكاتها الرقيقة وقالت:
- يابنات لازم
نروّح، عندنا محاضرات الصبح بدري.. نسيتوا وللا ايه؟
- أريج: وكمان المطعم كله بيتفرج علينا كأننا البنات اللي في مسلسل انشانتند.. نروح
بكرامتنا أحسن قبل لا ينادوا لنا الهيئة..
- مع السلامة يا
حوجن
مزقتني خلود عندما
قالتها فاتجهت نحو (مع السلامة) ورفعت يدي، فتوقف الغطاء كالحجر..
- خلاص؟ أقدر
أغطي قارورتي؟.. سامحني يا لؤي!!
لملم البنات
أغراضهن استعداداً للانصراف وقالت سوسن:
- أحسن نشيل
الورقه دي لا يجي أحد يشوفها..
أخذت الورقة ودستها
في حقيبتها وتركتني في خليط مشاعري.. بقيت في الكوفي شوب.. وصوتها الرقيق يتردد في
خاطري عندما نطقت اسمي.. يتكرر بلا توقف حتى أشرقت الشمس.
http://www.youtube.com/watch?v=ItwkSbVMULI
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق