Google Plus

الاثنين، 10 مارس 2014

كتاب حوجن بيتنا صار مسكون بالإنس HAWJAN 1

حوجن الحلقة الأولى: بيتنا صار مسكون بالإنس HAWJAN 1

رواية حوجن متوفرة لدى سيبويه وأمازون وكندل وبوكاتشينو وقريباً في مكتبات جرير و ڤيرچن. رابط التريلر: 

http://www.youtube.com/watch?v=ItwkSbVMULI
حَوجَن
أنا حوجن..
حوجن بن ميحال الفيحي..
 
شاب في أوائل التسعين..
سأحكي لكم قصتي..
قصتي التي لم تبدأ بالفعل إلا منذ بضع سنوات.. مع سوسن.. الإنسية.
حسنٌ، يهمني أن لا أتحدث مع من يتخيلني عفريتاً ذا عين واحدة وقرون وسيقان ماعز.. فطالما تجتاحنا نوبات الضحك الهستيري عندما نشاهد تلك الصورة التقليدية "العفريتيه" الساذجة التي تتخيلوننا بها. أرجوكم انسوا من أكون.. من أي جنس وأي أصل.. ما يهمني هنا هو أن تشاركوني قصتي وأحاسيسي وحسب. وأشكركم مقدماً لتفهمكم..
 
ولأزيل بعض الفضول الذي أراه في أعينكم فأنا شكلي عادي جداً.. حالي حال أي جني.. ولو أن أمي تبالغ أحياناً في تدليلي والتغزل في جمالي فأنا وحيدها ودلوعها.. لا تسألوني عن التفاصيل.. فقد فشلنا وفشلتم طوال آلاف السنين في نقلها بدقة إلى خيالكم.. ولكنني أتعشم في أن تتضح لديكم جوانب من حياتنا وطباعنا وأحاسيسنا نحن الجن، التي قد تستنكرون إذا قلت لكم أنها لا تختلف كثيراً عن طباعكم أنتم. فنحن مثلكم تماماً نأكل ونشرب وننام ونفرح ونحزن ونتزوج وننجب و.. نحب!
من خلال احتكاكي البسيط بكم (يا إنس) لاحظت أنكم طالما تكررون نفس السؤال الذي يحمل بعض السذاجه: الجن يفعلون كذا؟ الجن يفعلون كذا؟! معقوله؟؟؟ وأعلم أن نفس هذا السؤال سيتكرر خلال سردي لقصتي.. لذا أحب أن أجيبه مسبقاً وأكرر.. نعم نحن مثلكم..! أولم نسكن معكم هذا العالم بصفتنا الكائنات الوحيدة العاقلة المكلفة غيركم؟ أولم نعبد الله ونتبع الرسل مثلكم؟ فلم إذاً تتخيلون مجتمعنا بهذه السطحيه الخزعبلاتيه؟
 
نعود إليها..سوسن.. سوسن اسم من أسمائكم.. لم ألاحظه قط إلا بعد أن عرفتها.. وعرفت أنكم تطلقونه على تلك الزهره التي أدمنت استنشاق عطرها من حوض الأزهار الصغير التي تعتني بها على نافذتها. وقبل أن أتابع معكم أحداث روميو وجولييت دعوني أقص عليكم القليل مما سبقها.
 
فمع إتمامي لدراستي بتفوق والحمدلله، والتحاقي بأحد أكبر الدور العلاجية (المراكز الطبية على حد تعبيركم) كمتدرب ومن ثم كموظف براتب محترم بدأت أمي اسطوانتها اليومية التي لا تفتأ ترددها على مسامعي كلما رأتني:  يا حوجوني فلانه تصلح لك.. يا حوجوني شفتلك وحده زي القمر.. يا حوجوني ترا شمانه ما تتعوض... وأنا أتهرب منها بلطف.. فلا أعتقد أني سأقبل بالزواج التقليدي.. ولا أجد رغبة في الانتقاء من بين بنات أعمامي وعماتي وخيلاني وخالاتي (مائة واثنان وتسعون فتاة نصفهم لم يتزوج بعد). أعلم أنه لو كان والدي على قيد الحياة لحسم الموضوع لصالح إحدى بنات أعمامي.. لصالح جمارى بالذات ابنة عمي سنوطل أكبر أعمامي.. وذلك هو المستحيل بعينه، فأعمامي قد توغلوا في أمور الشعوذة والسحر الأسود ووقعّوا عقوداً مع أكبر تجمعات المردة وسحرة الإنس وأعوذ بالله أن أسلك مسلكهم.. كان والدي رحمه الله هو الوحيد الذي شذ عنهم فرفض العمل في مجال خدمة السحرة التي تدر أضعاف المكاسب إذا ما قورنت بمهنته المتواضعه التي بالكاد تطعمني وأمي.. بل واختار الزواج من أمي التي تعتبر من آل النَفَر المعروفين بأخلاقهم والتزامهم على عكس عائلة أبي.. وكان من الطبيعي بعد وفاة والدي أن تتولي أمي وجدي تربيتي ورعايتي. 
 
ونحن من الجن المستأنسين.. أي أننا نسكن ونتأقلم بين المجتمعات الإنسية على عكس معضم التجمعات الجنية الأخرى التي يضايقها وجود الإنس بالجوار فتفضل السكنى في مستعمراتها الخاصة بعيداً عن المدن والمساكن الإنسية. منذ ولادتي وأنا أسكن هنا.. في هذه البقعة التي كانت تبعد قرابة العشرة كيلومترات عن إحدى مدنكم الكبيرة التي تضخمت لتحتل معظم أجزاء قريتنا، فهاجر من القرية من هاجر وبقينا أنا وأمي وجدي مع من بقي في نفس المكان.. وقبل خمسة أعوام بدأتم إحدى مشاريعكم الكبيرة ولم تمر بضعة أشهر حتى تحولت الأرض من حولنا إلى مجمع سكني هائل يضم عشرات الفلل الصغيرة ووجدنا انفسنا في إحداها. بقيت تلك الفيلا خاوية لما يزيد عن عامين.. ازداد من خلالها اطلاعي على مجتمعكم عن كثب.. ففي السابق كنت لا أميل إلى الاحتكاك بكم ولم يدفعني فضولي لذلك بالرغم من أني كنت أقطع مدينتكم بأكملها ذهاباً وإياباً كل يوم للوصول إلى مقر عملي.. ولم يضايقنا أبداً وجود ذلك البيت بل بالعكس خصصنا سطح البيت لجدي المريض وأنا سكنت إحدى غرف المنزل أما أمي فكانت تمضي معظم الوقت بين رعاية جدي والصلاة تحت سلالم البيت.. حتى جاء ذلك اليوم.. فعند عودتي من العمل لاحظت سيارتين أمام الفيلا وكان ذلك يعني لنا شيئاً واحداً.. أن البيت أصبح مسكوناً!!
 
تجولت بسرعة في أنحاء البيت فوجدت أمي تحت سلم البيت تبكي وتندب حظها.. قلت لها مهدئاً: ولا يهمك يا أمي، بكره نجهز نفسنا للانتقال لقرية عنانوه أنا ادخرت مبلغ و.. قاطعتني بشهقة وقالت: لا تقولها!! مستحيل أترك هذا المكان!! مستحيل أترك ريحة أبوك.. مستحيل أموت في غير المكان اللي عشنا فيه سوا!! وبعدين يا حوجن لا تنسى إنه جدك كبير ومريض وما يستحمل تعب النقل!!.. كنت أعلم أنه لا مجال للنقاش مع دموعها وذكرى والدي.. فمسحت بيدي على وجهها وقلت ملطفاً للموقف: اش يضرنا وجودهم؟ إحنا في حالنا وهم في حالهم.. وبعدين لا تحكمي عليهم قبل ما تشوفي أخلاقهم.. نجحت كلماتي من تهدئة بعض روعها فاستأذنت قائلاً: خليني أشوف خبرهم وارجعلك..
كان ذلك أحد الراغبين في شراء الفيلا.. الدكتور عبدالرحيم سعيد رجل جمع بين العلم والعصامية والوقار الذي خطه ذلك الشيب على شعره ولحيته الأنيقه.. وحرمه السيدة رجاء والحاصلة على الماجستير في التربية وتدير إحدى المدارس الثانوية.. وابنهم الشاب هتّان الذي شارف على إتمام دراسته الثانوية.. وابنتهم.. سوسن.
 
 سوسن طالبة في كلية الطب، تسعى لتحقيق أحلام والديها بالتفوق المذهل في دراستها والمحافظة على معدّلها الذي ندر أن يناله أحد في تلك الكلية بالذات في آخر سنواتها. بالرغم من جديتها المفرطة في دراستها فإن سوسن تتحول إلى كتلة وردية من الخجل عند احتكاكها بالناس فمن يراها يخالها طفلة لم تتعد التاسعة بابتسامتها الصافية ووجهها الممتلئ ووجنتيها الحمراوين طوال الوقت.. ذلك الخجل جعلها تتحاشى الاندماج في محيطها وتميل إلى قضاء معظم أوقاتها بين كتبها.. أو أهلها.. أو.. بمفردها.
 
كم تأثرت بنظرة الدكتور عبدالرحيم وهو يرى حلم حياته يتحقق أخيراً بامتلاك تلك الفيللا الصغيره (فيلتنا.. سابقاً)، فقد أمضى عقدين من عمره في تلك الشقة يدفع إيجارها ويجمع القرش على القرش ليمتلك بيت أحلامه. كان يجول بنظره في تلك الفيلا وخياله حائر بين السعادة والعجب، فرجل مثله حاز على أعلى الدرجات الأكاديمية وتبوأ أعلى المناصب في وزارة الصحة عانى كل ما عانى ليمتلك منزلاً متواضعاً لا يرقى أبداً لما كان يتبادر إلى أحلامه وأحلام زوجته طوال عشرين عاماً.. بابا بابا هذي الغرفة عجبتني..!! أعادته سوسن من بحر خواطره بتلك العبارة وهي تشير إلى آخر غرفة في الممر.. إلى غرفتي.. سابقاً!
قبل أن أستوعب الأمر كان الجميع في غرفتي بعد أن سبقتهم سوسن إليها.. هنا مكتبي وهنا سريري وهنا أرص أحواض الزهور.. كانت سوسن تهتف بسعادة شاركها فيها الجميع.. عداي. راقبت الجميع وهم ينصرفون وفهمت من حديث الدكتور عبدالرحيم مع السمسار أنه سينتقل للعيش في الفيلا في غضون أسبوعين فقط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق